اوراق كامل شياع

فيصل عبداللهSKU: 9789933655136

Price:
Sale priceDhs. 31.50

Description

مرة أخرى أجد نفسي مأخوذاً بحدث يدفعني خارج التتابع المألوف لدورة الأشياء. بل وخارج حدود المعقولية القائمة على افتراض وجود تطابق لا مفر منه بين تمفصل الواقع وتمفصل الفكر. ما أجابهه هنا هو اكتشافي حضوراً تفرضه المفاجأة غالباً، تعجز الأسباب الفعلية أو المفترضة التي في حوزتي عن إيقاف مشاعر القلق واللايقين في ازاءه . ما أجربه هنا – يبدو أقرب الى مايسمى بالوعي الشقي، أي ذلك الوعي الذي يرى سلبيته او عدميته عبر إدراكه ان ما يهدف الى إمتلاكه هو في الحقيقة منفصل عنه دائماً.
ولكن ما هذا الحدث القادرعلى خلخة يقين (أوعادة) ربط الأشياء ببعضها وتوقع احتمالاتها المستقبلية، الحدث الذي يحث على الذهاب أبعد قليلاً او كثيراً من مجال التحديات الفعلية أو المفترضة؟ انه من النوع الذي يمس، وان بدرجات مختلفة، كل واحد منا، كرؤية صورة انسان مختلف او كتاب ذي مؤلف وتاريخ مجهولين أو ربما لوحةً فنية لا نستطيع الجزم ان كانت حقيقية أو مزورة.
لنتوقف هنا عند المثال الأول، فصورة انسان مختلف، كما نظن، ليست صورة ككل الصور. فهي عندما تعلن مثلاً إختفاء صبية ما – لاتوضع إلا في الأماكن العامة – تستوقفني لأتمعن في ملامحها، لأقرأ أوصافها، … انها تدعوني دعوة مفتوحة الى المساعدة وتستفز في شعور تضامن لا أعرف كيف أقدمه ولمن. ولكن أهم من هذا كله أن هذه الصورة تتحدى قدرتي على تصنيف معطياتها. فهل لي ان أضعها في عالم الصور وهي المشدودة الى أصلها بعلاقة متوترة لا تصف ولا تكرر بل تستغيث؟ أو هل لي ان أضعها في عالم الواقع وواقعها (أصلها) محكوم بتحديد ناقص، تأجيل قسري بين الحضور التام والغياب التام؟
في الحالة الأولى لا تنقل الصورة الا ما لا تستطيع نقله: إختفاء غير طبيعي وغير منتظر. فعلى رغم تكراره بين حين وآخر في حالات مجهولي المصير في الحرب او المختطقين لأسباب سياسية أو اجرامية، فإنه – اي الإختفاء – يظل شاذاً لا يغري احداً بتعايش مريح معه. والأكثر من هذا انه لا يسمح بامتلاكه معرفياً ولا بتجاهله على رغم انه حادث في هذا العالم ومن هذا العالم. فعندما أحاول معرفته – لأجمع معلومات عنه – أجد نفسي مستدرجاً في فائض من الإحتمالات والتقابلات غير القابلة للحسم. وعندما أحاول تجاهله، بعد خيبة المعرفة عادة – أكتشف جهلي به. لا تجاهل مع الجهل! أما في الحالة الثانية فإن الصورة تشعرني بنوع من غياب مختلف عن ذلك الذي يتحدد عبر تناقضه مع الحضور، كما يتحدد الموت من خلال الحياة مثلاً.
فإذا أخذنا بالفكرة القائلة ان وجود الشيء يعتمد على إمكانية تحديده فإن أصل الصورة يحيلني الى أمر حدث ويحدث ولكن ليس في وسعي تحديده… الثالث المرفوع كما يقال في علم المنطق. ومبدأ التحديد هذا هو، في المناسبة، مبدأ ضروري ليس للوجود فقط بل للمعرفة أيضاً على رغم وجاهة بعض الإعتراضات التي يثيرها ضده دعاة التفكير النسبي المعاصرين من شكاكين وسفسطائيين. المهم هنا هو عدم تجييره لصالح أنطولوجيا حتمية، مثالية كانت أم مادية

You may also like

Recently viewed