Description
كان عليّ أن أخترق أول التابوهات مطوّقة بخوفي وحده؛ فكيف لمخترق المحظور أن يكفّ عن الخوف وهو أمام كشف مدهش؟؟ شهوة مواجهة المجهول هي ما يجعل الخوف - وليس الإقدام - دافعاً لاختراق المحرّمات: الحواسّ البِكر تنقذف في التجربة وتجعلنا نبصر ونشمّ ونسمع ونتذوق ونلمس وفي الغالب نشمّ أكثر في الصمت، الخوف من الإنفضاح هو ذاته سرّ لذتنا في الإكتشاف، الإنفضاح وحده لا يكفي.
مع أوّل كتاب لمسته يداي - غير كتب المدرسة - فغمت أنفي رائحة التبغ الخام ممتزجة برائحة الكتب الصفراء - الورق الهشّ والطباعة الحجرية، مزيجٌ من روائح كانت تفور من نبع سرّيّ في حجرة معتمة تسلّلتُ إليها ذات ظهيرة صيف أنا الصبية الصغيرة التي تتصبّب عرقاً وترتعش وهي تعبر الغرفة إلى كشوفها الأولى لتمزق أوّل الحجب. الخوف من انكشاف تسلّلي إلى حجرة المُحرّمات يرعش يديّ النحيلتين وهما تقلّبان الكتب الشهيّة في بصيص نور يتسلل من كوّة وسط السقف يدعونها (السمّاية)، والكلمة تصغير عاميّ لصفة منسوبة للسماء. كانت السماء سندي في الإنغماس بالخطيئة الأجمل: إستراق قراءة الممنوع والمحظور.