Description
الوزن الاخر للزهرة حلّ حزيران في لندن، نحن ننتظره بلهفة، مرحّبين به كشهر ودود، يقع في منتصف السنة، فهو الذي سوف يدخلنا في الصيف، عبر أصابعه الدفيئة، جلستُ مساءً كعادتي أُتابع الأخبار على محطة عربية، وإذا بالمحطة تعرض فيلماً صغيراً مصوّراً عن ذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وثمة مشاهد مصوّرة، من بيروت لشباب من المقاومة الفلسطينية، بأزيائهم الكاكية، يحملون البنادق، وهم في سيارات الجيب العسكرية، بدوا كأنهم يتنقلون في منطقة قريبة من أحياء قلبي، ومشهد آخر ظهرت فيه معارك داخل أزقة ضيقة، فأحسست أني في مكان أعرفه والزمان زماني، والمكان مكاني وأراه يقع في مركز الروح، وثمة في الأفق، دخان وحرائق وصوت إطلاقات لقذائف، ورصاص متطاير في الجو، فجأة شعرت كأنّ شظية اخترقت مخيلتي، وثقبت الذاكرة لتسيل......... كنت سعيداً حين قال السائق أنتم الآن في لبنان، فلا تقلقوا إلّا من الطيران الإسرائيلي، إنه يحوم مرات كثيرة في هذه المناطق، وقال بعد لحظات ستكونون في «شتورا» ومن يريد أن يذهب ليأكل ويذهب إلى الحمام أو مكاتب تصريف العملة فإننا سنكون في مطعم «أرزة لبنان». بدت «شتورا» مكاناً حافلاً بسيارات النقل والمصارف الصغيرة والمطاعم والمقاهي السريعة والجوالة، هناك اغتسلت في المطعم، وأكلت رزاً ومرَقاً، وشربتُ شاياً، ودخّنتُ سيجارتين، وأنا مُيمِّم بعد قليل صوب مستقبل غير منظور، ولا تلوح منه أيّة كوة، سوى كوّتي التي اخترتها، بالانتماء إلى إعلام المقاومة الفلسطينية، وكان ذلك قد تمّ بترتيب بسيط من أديب فلسطيني، يعيش في دمشق، فهو من سهّل لي هذا الاختيار، وكل هذه الأمور من قضايا السفر.