Description
قلّما إعتادت فعالياتنا الثقافية على مقاربة موضوعات تحتفي بتفاصيل حياة الكائن البشري؛ فقد صار التقليد أن نمايز بين الأفكار وبين الكائن البشري الخالق لهذه الأفكار ونسينا في خضمّ هذا التمايز أنّ الإنسان – في واحد من أهم توصيفاته الأنثروبولوجية – هو صانع أفكار في المقام الأول وأن الأفكار غالباً ما تنبثق من مكابدات حياته اليومية وليست محض مفاهيم فوقية أو أكاديمية مغلقة، ولعل فكرة (الحب) هي أكثر الموضوعات أهمية في إشباع حياة الكائن البشري والإرتقاء بها إلى مستويات أكثر رقياً ورفعةً؛ غير أن تأريخنا وحاضرنا معاً قلما احتفيا بالحب على عكس ما فعلا ويفعلان مع الكراهية ومفاعيلها.
أذكر أنني ترجمت قبل بضعة أعوام مقدمة لكتاب يتناول معاني الحب وفلسفته، ونقرأ في بدء تلك المقدمة هذه العبارات الرائعة في توصيف الحب:
كم هو فوضوي ومشوّش موضوع الحب!!! إذ نراه في كل مكان يُحتفى به على أساس أنه «التجربة الأكثر أهمية في الحياة الإنسانية». أتساءل: هل يوجد ثمة من يجادل بالضد من الحب؟ وسواءٌ منَحَنا الحب متعة عظمى أم تسبّب لنا بمعاناة رهيبة فإن القليل وحسبُ هم الذين ينكرون أن الحب هو مايمنح الحياة معنى وهدفاً جديرين بالاحترام، وإن غياب الحب يحيل الحياة صحراء موحشة. ثمة الكثير من الشكوك السائدة عن الإرباكات والتناقضات التي يحتويها مفهوم الحب، وغالباً ما نتساءل: كيف يمكن لهذه الخصلة الإنسانية العظيمة أن تكون لها نتائج غير مرغوب فيها وعصية على الفهم البشري؟ وإذا كان «الحب هو كل ما تحتاجه» كما تخبرنا كلمات أغنية فرقة البيتلز فلماذا يبدو أحياناً أن الحب ينساب في مسارات خاطئة تقود إلى آلام ومعاناة مؤذية؟ كيف يمكن لشيء مثل الحب يبدو في غاية الوضوح أن يتسبّب في آلام وتناقضات على قدر عظيم من الإيذاء؟ يبدو أن السبب يكمن في أننا لا نفهم الحب على قدر واف من الكفاية.